وزارة الحرب ومستقبل السياسة الخارجية الأمريكية
- أحمد فتحي
- قبل 6 أيام
- 2 دقيقة قراءة

بقلم: أحمد فتحي
نيويورك: عندما وقّع الرئيس دونالد ترامب قرارًا يقضي بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، لم يكن الأمر مجرد تعديل بيروقراطي. بل كان إعلانًا صريحًا، ورسالة متعمدة لإعادة صياغة الطريقة التي ترى بها أمريكا نفسها، والطريقة التي سيقرأها بها العالم.
على مدى نحو ثمانين عامًا، حملت كلمة “الدفاع” معنى الحماية والردع والطمأنينة. كانت ترمز إلى درعٍ مرفوعٍ في وجه التهديدات، ويدٍ ثابتةٍ تحمي الحلفاء وتضمن الاستقرار العالمي. واليوم، وبجرّة قلم، تحوّل ذلك الدرع إلى سيف. إن تسمية المؤسسة العسكرية بـ “وزارة الحرب” تعكس استعدادًا لاحتضان الصراع، ليس كخيار أخير، بل كأداة مركزية في السياسة الأمريكية.
قوة الاسم
الكلمات ليست محايدة، خصوصًا في عالم السياسة الدولية. فهي قد تبعث الطمأنينة، وقد تنشر الخوف. في عواصم مثل كراكاس وبكين، بدأت وسائل الإعلام الرسمية تصوّر هذا التغيير كدليل جديد على عدوانية واشنطن. وفي العواصم الأوروبية، يطفو تساؤل آخر: هل ما زالت أمريكا الشريك الموثوق كما عرفوه، أم أصبحت قوة متقلبة تسعى وراء الانتصار بأي ثمن؟
ويأتي ذلك في لحظة حساسة. فالغارات الجوية الأمريكية الأخيرة على فنزويلا، والتحركات العسكرية في الكاريبي، والمناورات الجديدة في المحيط الهادئ، كلها إشارات على نهج أكثر تصعيدًا. والاسم الجديد لا يخلق هذه السياسات، لكنه يرسخها كعقيدة.
كما كتبت في كتابي أمريكا أولاً، العالم منقسم: تأثير ترامب 2.0:
“في مسرح القوة، الكلمات ليست زينة، بل أسلحة. جملة واحدة من واشنطن قد تطمئن الحلفاء — أو تزلزل العالم.”وهذا بالضبط ما يفعله هذا التغيير: إنه يزلزل.
خطوط الانقسام في العالم
ارتدادات القرار ستظهر في كل منطقة يتنافس فيها النفوذ الأمريكي:
أمريكا اللاتينية: المخاوف القديمة من التدخل تعود. حتى الحكومات الصديقة لواشنطن ستجد صعوبة في تبرير تعاونها مع “وزارة الحرب” أمام شعوبها.
الشرق الأوسط: بالنسبة لإيران، فالاسم الجديد دليل على موت الدبلوماسية. أما دول الخليج، فقد ترى فيه ضمانة أقوى ضد طموحات طهران. والنتيجة: مزيد من الاستقطاب.
شرق آسيا: في مضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية، يزداد خطر سوء التقدير. الصين وكوريا الشمالية تستغلان دائمًا رواية “العداء الأمريكي”، وهذا القرار يمنحهما ذخيرة جديدة.
أوروبا: الحلفاء في الناتو في مأزق. يحتاجون إلى حماية واشنطن، لكنهم يسعون لاستقلالية أكبر. و”وزارة الحرب” تجعل المعادلة أصعب.
قوة أم قصر نظر؟
يقول المؤيدون إن القرار صادق. فأمريكا خاضت حروبًا لعقود تحت راية “الدفاع”. ومن الأفضل أن تكون واضحة. وفي هذا بعض الحق: الوضوح قد يردع.
لكن الردع ليس مجرد استعراض قوة؛ إنه يقوم على الثقة أيضًا. إن إعادة تسمية المؤسسة العسكرية الأمريكية بـ “وزارة الحرب” قد تنفّر الحلفاء، وتصلب الخصوم، وتضعف القوة الناعمة التي طالما منحت واشنطن نفوذًا واسعًا. أما تحديات القرن الحادي والعشرين الكبرى — من تغير المناخ إلى الأوبئة والهجرة — فلا يمكن حسمها بالقصف أو بالأساطيل، بل تحتاج إلى تحالفات ودبلوماسية وثقة متبادلة.
إلى الأمام
على المدى القصير، سيمنح القرار دفعة لقاعدة ترامب السياسية في الداخل، وسيهزّ خصوم أمريكا في الخارج. لكن على المدى البعيد، قد تُرى الولايات المتحدة أقل كقوة استقرار، وأكثر كقوة إرباك للنظام الدولي. هذه الصورة قد تشجع الخصوم على التشدد، وتدفع الحلفاء إلى البحث عن بدائل.
فالسياسة الخارجية ليست فقط عن الحروب التي تكسبها الدول، بل عن السلام الذي تحافظ عليه. وبإحياء اسم “وزارة الحرب”، ربما اختارت أمريكا أن ترفع الأولى على حساب الثانية. والعالم يراقب ليرى: هل هو مجرد تغيير في الاسم، أم بداية عصر جديد تُعرّف فيه واشنطن بدورها في الصراع أكثر من دورها في السلام؟