كيف يُعيد الجيل Z تعريف الاحتجاج في العصر الرقمي
- أحمد فتحي

- 6 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة


بقلم أحمد فتحي
نيويورك: قضيت سنوات أتابع الاحتجاجات عن قرب — من ميدان التحرير إلى تايمز سكوير — ومع الوقت، تبدأ أنماطها في التكرار. العمال يضربون، الطلاب يتظاهرون، الأحزاب تنضم، القادة يبرزون، يُعتقل بعضهم أو يعقدون صفقات، ثم تأتي مرحلة الإرهاق، فالصمت، فدورة جديدة من الغضب.
لكن هذه المرة، هناك ما تغيّر. الإيقاع اختل. الجيل الجديد — الجيل Z— أعاد كتابة دليل الاحتجاج بالكامل. حركاتهم تندلع بسرعة، تنتشر أوسع، وتختفي قبل أن تلتقط الدولة أنفاسها.
إنهم لا يصنعون الثورات. إنهم يُصلحون الأنظمة المعطوبة.
النمط الذي لا يمكن تجاهله
ما بدأ كاحتجاجات محلية أصبح اليوم صدى عالميًا. في نيبال، تحدّى الشباب حظر الحكومة لمواقع التواصل الاجتماعي وأجبروا رئيس الوزراء على الاستقالة. في المغرب، نظم جيل زد 212 احتجاجات إلكترونية ضد غياب العدالة وتدهور الخدمات العامة. في مدغشقر، عبّر الشباب عن غضبهم من انقطاع الكهرباء والمياه باستخدام رموز من ثقافة الأنمي. أما في كينيا، فقد تحولت انتفاضة ضريبية وُلدت على تيك توك إلى أزمة سياسية حقيقية.
دول مختلفة، لكن الغضب واحد. الإيقاع واحد.
من خلال متابعتي لهذه الحركات، أرى نمطًا واضحًا يتكرر — بدقة يصعب تجاهلها: شرارة رقمية، ثم موجة غضب، فتعبئة لامركزية، فضغط شعبي، وأخيرًا ذعر حكومي. يبدو عفويًا... لكنه أيضًا يبدو محسوبًا.
الشك في الإشارة
كصحفي وباحث، تعلمت أن أشك في كل ما ينتشر بسرعة وبصورة منظمة أكثر مما يجب. والمقلق أن الأصوات الحقيقية اليوم تختلط بشبكة واسعة من الصفحات، والمؤثرين، والمواقع “الناشطة” التي تبث رسائل متزامنة — أحيانًا خلال دقائق.
بعضها أصيل، نعم، منبثق من الشارع. لكن بعضها الآخر أكثر غموضًا — تضخمه حسابات مجهولة، ووسوم منسقة، ومقاطع مصممة باحتراف خلال ساعات فقط.الحكومات تسمي ذلك تلاعبًا، والنشطاء يسمونه “استراتيجية رقمية”. أما الحقيقة، فهي غالبًا تقع في المساحة الرمادية بين الاثنين.
هذا لا ينفي مشروعية الغضب في الشارع، بل يكشف كيف امتزجت حروب المعلومات بالتعبئة المدنية.احتجاجات جيل زد ليست سياسية فقط — بل خوارزمية أيضًا.الحد الفاصل بين الغضب الحقيقي والضجيج المصطنع يتلاشى شيئًا فشيئًا، والسلطة تشعر بارتباك متزايد أمام هذا الغموض.
نظام التشغيل الجديد للمعارضة
في جوهر هذه الحركات، ثلاث سمات رئيسية:
اللامركزية: لا زعيم، لا هرم، ولا رأس يسهل إسقاطه. هذه الحركات تُبنى كشبكات لا كتنظيمات.
ثقافة الميمات: بينما حمل النشطاء القدامى شعارات، يحمل جيل زد السخرية والفكاهة. مقطع ساخر على تيك توك قد يحرك الجماهير أسرع من أي خطاب سياسي.
السرعة: محادثة خاصة على تطبيق ديسكورد منتصف الليل قد تتحول إلى احتجاج وطني مع شروق الشمس. الأنظمة البيروقراطية باتت مجبرة على مواجهة السرعة الرقمية.
لكن خلف الميمات والهاشتاغات، هناك يأس حقيقي — بطالة، فساد، ونخب منفصلة عن واقع الناس، إلى جانب إدراك مرير بأن شابًا في مكان آخر يعيش حياة أفضل فقط لأنه وُلد على الجانب الصحيح من الحدود.
الثغرة
قوتهم في المرونة، وضعفهم في الاستمرارية.قد تضيء الحركة العالم للحظة — بعناوين الصحف، والوسوم، والأمل — لكنها سرعان ما تخبو. فعندما تغيب البنية والتنظيم، حتى أعظم الانتصارات يمكن أن تتبخر وتتحول إلى فوضى.
ومع تصاعد المراقبة بالذكاء الاصطناعي والاختراقات الرقمية، الأنظمة تتطور بدورها.
ومع ذلك، يستمرون. مرة بعد مرة، عبر القارات، يتكرر المشهد ذاته، والحكومات تتفاجأ في كل مرة — وكأن السيناريو لم يُكتب من قبل.
الصورة الأوسع
التقليل من شأن جيل زد سيكون خطأ فادح. فهم ليسوا مثاليين يصرخون بشعارات فارغة، بل واقعيون يتساءلون ببساطة: لماذا لا يعمل شيء في هذا العالم كما يجب؟هم لا يريدون أن يرثوا مؤسسات متهالكة — بل أن يُصلحوها وهم في قلب الحدث.
علينا أيضًا أن نظل يقظين. ليست كل حركة رائجة على الإنترنت حقيقية بالكامل. بعضها يشتعل لأن الغضب صادق، وأخرى لأن هناك من أشعلها عمدًا.الانفجار في عدد المواقع والمنصات والمنظمين المجهولين والمؤثرين يجعل من الصعب التمييز بين ما هو أصيل وما هو مُهندس.الإنترنت يمنح الجميع مكبر صوت — لكنه أيضًا يشوه الصوت أحيانًا.
ومع ذلك، حتى لو كانت بعض الشرارات مصطنعة، فالنار نفسها حقيقية — وهي تنتشر.
التحذير إلى السلطة
يمكن للحكومات أن تحجب التطبيقات، وتفرض الرقابة، وتعتقل المستخدمين، لكنها لا تستطيع أن توقف جيلًا وُلد في عصر الاتصال من إيجاد طرق جديدة للتواصل.
جيل زد لا ينتظر الإذن ليقود. إنه يقود بالفعل — عبر زعزعة وهم “الاستقرار”.إنهم ليسوا “قادة المستقبل”، بل مساهمو الحاضر في أزماته، وقد عقدوا اجتماعهم الطارئ بالفعل... في الشوارع.
هذه ليست فوضى، بل المستقبل وهو يختبر نفسه في الوقت الحقيقي.وإن كنت تظن أن هذه الاحتجاجات مجرد ضجيج... فانتظر التحديث القادم.
أحمد فتحي مراسل الأمم المتحدة، محلل في الشؤون العالمية، ورئيس التحرير التنفيذي لشبكة أخبار التلفزيون الأمريكي (ATN).
