top of page

استراتيجية امن قومي عالقة بين امريكا اولا وعالم متعدد الاطراف

فصل جديد في القوة الامريكية: استراتيجية الامن القومي لعام 2025 في عهد ترامب تعيد اصداء مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر، بينما تواجه عالما متعدد الاطراف في القرن الحادي والعشرين لا يتوقف عن الحركة.
فصل جديد في القوة الامريكية: استراتيجية الامن القومي لعام 2025 في عهد ترامب تعيد اصداء مبدأ مونرو في القرن التاسع عشر، بينما تواجه عالما متعدد الاطراف في القرن الحادي والعشرين لا يتوقف عن الحركة.
Ahmed Fathi

بقلم احمد فتحي


الامم المتحدة – نيويورك: ان استراتيجية الامن القومي الامريكية لعام 2025 ليست وثيقة سياسات تقليدية، بل هي رؤية كاملة للعالم—مصقولة، متشددة، وموجهة مباشرة نحو النظام الدولي الذي قادته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. قراءتها من داخل الامم المتحدة، حيث يعد التعددية رئة نتنفس منها، يشبه ان ترى مهندس البيت يعود بعد عقود حاملا جرافة وشريط قياس، مصمما على "اصلاح" منزل تعلم الجميع كيف يعيشون فيه.


تبدأ الاستراتيجية بهجوم مباشر على ثلاثين عاما من السياسة الخارجية الامريكية، واصفة اياها بانها مفرطة، مضللة، وقعت تحت تأثير "العولميين" الذين سلموا السيادة لـ "مؤسسات عابرة للحدود" (ص 1–2).ولنقل الامور بصراحة: هذه ليست مراجعة نقدية، بل هجوم ايديولوجي على اسس


الحوكمة العالمية المشتركة.

فعندما ترى الامم المتحدة مسؤولية جماعية، ترى الاستراتيجية اضعافا للهدف.وعندما ترى الامم المتحدة ترابطا دوليا، ترى الاستراتيجية هشاشة.وعندما ترى الامم المتحدة دبلوماسية، تراها الاستراتيجية تدخلا.

هذه ليست اختلافات في اللهجة، بل انقسام فلسفي حاد.


الهجرة: الركن الانساني للامم المتحدة يصطدم بحصن امريكا الجديد

اكثر نقاط التصادم وضوحا مع التعددية هي موقف الوثيقة المتشدد من الهجرة. فهي تعلن ان "عصر الهجرة الجماعية قد انتهى"، وتضع امن الحدود فوق جميع اولويات الامن القومي تقريبا (ص 11).

وهذا يناقض تماما رؤية الامم المتحدة:

  • المفوضية السامية ترى النزوح من خلال حماية الحقوق.

  • المنظمة الدولية للهجرة تتعامل معه كنظام عالمي يحتاج حلولا مشتركة.

  • الاتفاق العالمي للهجرة مبني على التعاون لا على بناء الجدران.

لكن الاستراتيجية تتعامل مع المهاجرين كتهديد استراتيجي—كانهم عنصر مزعزع، لا افراد يحتاجون لحماية.وبصراحة: الوثيقة تتعامل مع البشر بوصفهم مصدر خطر لا شركاء في الاستقرار العالمي.


هذا التحول سينعكس على كل مفاوضة انسانية في السنوات القادمة.


عودة مبدأ مونرو—ولكن بنسخة اكثر حدة

ثم تأتي المفاجأة الجيوسياسية الاكبر: فصل نصف الكرة الغربي.تقدم الاستراتيجية ما تسميه "ملحق ترامب لمبدأ مونرو"، محذرة كل القوى الاجنبية من الاقتراب من اي شيء—من الموانئ الى المعادن الى كابلات البيانات—جنوب تكساس (ص 15–18).

هذا ليس تلميحا. وليس دبلوماسية.انه اعلان صريح: "هذا نصف الكرة لنا… نقطة انتهى."


وبالنسبة للامم المتحدة، هذا اكثر من مجرد ازعاج—انه تعارض بنيوي.فالنظام متعدد الاطراف تأسس لمنع القوى الكبرى من التعامل مع المناطق كملكية خاصة.ومع ذلك، يفعل هذا الملحق ذلك تماما، محولا نصف الكرة الغربي الى "حظيرة استراتيجية" مغلقة.

وفي اروقة الامم المتحدة، سيتساءل الامريكيون اللاتينيون سرا:


اذا كانت الولايات المتحدة تمتلك حق الفيتو على شراكاتنا… فاين تبدأ سيادتنا نحن؟

هذه العقيدة تهمش:

  • برامج التنمية الاممية

  • المنظمات الاقليمية

  • التمويل متعدد الاطراف

  • الشراكات الاجنبية التي لا تحمل ختم الموافقة الامريكي

وباختصار، تجعل التعددية مجرد دور ثانوي في فناء امريكا الخلفي.


اوروبا: حضارة تشخص… لا تحاور

تصف الاستراتيجية اوروبا بلغة اقرب لكتاب المقالات الثقافية منها الى المخططين الاستراتيجيين. اوروبا، حسب الوثيقة، تعاني من "محو حضاري"، وانهيار ديموغرافي، وفقدان الهوية، وخنق تنظيمي (ص 25–27).

هذا ليس تحليلا.هذا نعي سياسي.

وهو يترك الامم المتحدة امام معضلة: كيف تحافظ على جبهة غربية موحدة اذا كانت واشنطن ترى بروكسل عبئا لا شريكا؟


الصين: الاختبار الحقيقي للنظام متعدد الاطراف

الصين هي الشبح الذي يطارد كل صفحة.فالاستراتيجية تصفها كخصم كلي، يمتد عبر سلاسل التوريد والذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة والملكية الفكرية والدعاية وحتى الادوية (ص 20–24).


هذا ليس تنافسا.انه صراع منظومي.


ولكن الحقيقة الثابتة هي:الامم المتحدة لا تستطيع العمل بدون الصين.فهي ممول رئيسي، عضو دائم، مساهم كبير في حفظ السلام، ولاعب اساسي في الصحة والمناخ والتنمية.


عندما تصف الولايات المتحدة الصين بانها تهديد وجودي شامل، تصبح التعددية خسارة جانبية.وتصبح النتيجة: عالمان يتشكلان… ولا احدهما ينسجم مع نموذج الامم المتحدة.


الشرق الاوسط: تقاطع نادر… وهش

بشكل غير متوقع، تتقاطع رؤية الاستراتيجية للشرق الاوسط مع بعض اولويات الامم المتحدة—خفض التصعيد، الاستقرار، اطلاق الرهائن، ومنع توسع الصراع (ص 27–29).

لكن الدوافع مختلفة:الامم المتحدة تسعى لسلام مستدام قائم على الحقوق والقانون.اما الاستراتيجية فتركز على تقليل الاعباء الامريكية واحتواء الخصوم.


التقاطع موجود… لكنه هش.


افريقيا: شراكة ام سباق على الموارد؟

ترى الاستراتيجية افريقيا كساحة استثمارية، حيث المعادن والطاقة تقف في مركز الاهتمام الامريكي (ص 29).لكن الامم المتحدة ترى القارة من منظور اوسع: الحكم، التنمية البشرية، بناء السلام، والتصنيع.

تركز الاستراتيجية على ما تملكه افريقيا… لا على ما تطمح اليه.وهنا يجب ان تتدخل المنظمات متعددة الاطراف.


الخلاصة: التصادم قادم… ولكن الامل لم يمت

استراتيجية الامن القومي لعام 2025 هي الاكثر تشكيكا في التعددية منذ تأسيس الامم المتحدة.انها تعيد تعريف العالم كخريطة تنافسية لا كنظام مشترك.

لكن حتى امريكا المنعزلة لا تستطيع الهروب من الحقائق الكبرى:

  • الاوبئة

  • المناخ

  • هشاشة سلاسل التوريد

  • حوكمة التكنولوجيا

  • الازمات العابرة للحدود


هذه مشكلات لا تحلها دولة واحدة—ولا حتى اعتى قوة.

نعم، التصادم حتمي.لكن الانهيار… ليس كذلك.


وعلى الامم المتحدة ان تعمل الآن داخل التشققات، وتستغل الفجوات، وتذكر واشنطن بحقيقة يعرفها التاريخ جيدا:

العالم الذي تحكمه ارادة امة واحدة… عالم غير مستقر.والعالم الذي تدار شؤونه بالمسؤولية المشتركة… هو الوحيد القابل للاستمرار.

وفي النهاية، ستكتشف الولايات المتحدة انها لا تستطيع بناء حصن عال بما يكفي ليحل محل قيمة نظام دولي يعمل بكفاءة.

 

bottom of page