قمة منظمة شنغهاي للتعاون في بكين: اختبار ضغط على التعددية ودور الأمم المتحدة
- أحمد فتحي
- قبل يوم واحد
- 3 دقيقة قراءة


بقلم: أحمد فتحي
نيويورك — نادراً ما تتصدر منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) العناوين في الصحافة الغربية، لكن ربما ينبغي أن يحدث ذلك. تأسست المنظمة عام 2001 كمنصة متواضعة لتخفيف التوترات الحدودية وبناء الثقة بين الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى. واليوم، أصبحت أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث عدد السكان. أعضاؤها يشملون الهند وباكستان وإيران، ولديها شركاء حوار يمتدون من مصر إلى الخليج العربي. ما بدأ كنادٍ أمني إقليمي بات يسعى إلى التأثير في التجارة العالمية والطاقة وحتى قواعد الحوكمة الرقمية.
هذا الأسبوع، تستضيف بكين القمة السنوية لمنظمة شنغهاي للتعاون، وقائمة الضيوف كافية لتوضيح أهميتها. عشرون رئيس دولة يشاركون، بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. لكن ما يلفت الانتباه هو حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي منح القمة بعداً عالمياً، لتصبح اختباراً حقيقياً لقدرة التعددية على البقاء في عالم منقسم.
لماذا تكتسب المنظمة أهمية الآن؟
لسنوات طويلة، وصفها المحللون الغربيون بأنها مجرد "نادٍ للخطابات"، لكن هذا التوصيف لم يعد دقيقاً. فهي تمثل نحو نصف سكان العالم، وتضم أسرع الاقتصادات نمواً وأكبر منتجي الطاقة. والأهم أنها توفر منصة للقوى غير الغربية للتنسيق ورسم السياسات بعيداً عن الولايات المتحدة.
أجندتها اليوم تتجاوز مكافحة الإرهاب لتشمل الأمن الغذائي، مسارات الطاقة، السيادة الرقمية، والممرات الاقتصادية التي قد تعيد رسم خريطة التجارة في أوراسيا. اجتماع قادة يمثلون هذه الكتلة البشرية والاقتصادية الهائلة ليس مجرد رمزية، بل محاولة لتصميم رؤية بديلة للنظام العالمي.
الولايات المتحدة على الهامش
الولايات المتحدة، كالمعتاد، غائبة. لم تنضم واشنطن يوماً للمنظمة، وتراها بعين الريبة، خصوصاً في عهد الرئيس ترامب، حيث اعتُبرت منصة موازية لحلف الناتو ومكاناً يجتمع فيه خصوم أميركا للتنسيق.
كما ذكرت في كتابي "أمريكا أولاً، عالم منقسم: تأثير ترامب 2.0": "ترامب لا يسعى لإعادة تشكيل المؤسسات متعددة الأطراف، بل لتهميشها واستبدالها بصفقات ثنائية تخدم المصلحة الأميركية الفورية."
النتيجة أن سياسة الضغط الأميركي—من رسوم جمركية على الصين والهند إلى عقوبات على روسيا وإيران وتشدد تجاه كوريا الشمالية—فتحت المجال لفراغ تملؤه بكين وموسكو ونيودلهي. وكما حذرت في الكتاب ذاته: "انسحاب الولايات المتحدة من المنصات المتعددة الأطراف يخلق فراغاً ستملؤه قوى أخرى، لتعيد كتابة قواعد اللعبة دون موافقة واشنطن."

الأمم المتحدة تسير على حبل مشدود
من هنا تبرز أهمية حضور غوتيريش. مشاركته ليست بروتوكولية بل محسوبة. فبينما مجلس الأمن مشلول بالفيتوهات والخلافات، يحاول الأمين العام أن يثبت أن الأمم المتحدة لا يمكنها تجاهل مراكز القوة الجديدة. لكن وجوده يحمل مخاطرة: هل يساهم في تعزيز دور المنظمة كجسر عالمي، أم يبدو وكأنه يمنح الشرعية لنظام بديل يقلص مكانتها؟
التعددية المرهقة
الحقيقة أن التعددية لم تمت، لكنها مرهقة. أثقلتها الانقسامات وانعدام الثقة. لذلك يبحث القادة عن منصات أخرى للحوار، حتى لو لم تكن مثالية. وفي حين تتكرر الخطابات في نيويورك، يكتب القادة في بكين سيناريو جديداً، واحداً لا تتمحور فيه القوة حول واشنطن وحدها.
اختبار المستقبل
قمة بكين ليست مجرد لقاء دبلوماسي؛ إنها اختبار لما إذا كانت التعددية قادرة على التكيف مع عالم تتحرك موازينه شرقاً وتبتعد عن الولايات المتحدة. إن تمكنت الأمم المتحدة من استيعاب هذه التحولات فقد تحافظ على دورها كجسر. وإن لم تفعل، فقد ينظر المؤرخون إلى هذه القمم باعتبارها اللحظة التي بدأ فيها النظام العالمي بالابتعاد نهائياً عن نيويورك.
وبينما تفتح بكين السجادة الحمراء، الرسالة واضحة: مستقبل التعددية لن يُكتب في عاصمة واحدة فقط.
تعليقات