مصر، رفح، والحقيقة المنسية: ماذا تقول الأمم المتحدة عن دور مصر في المساعدات إلى غزة
- أحمد فتحي
- 22 أغسطس
- 3 دقيقة قراءة


بقلم: أحمد فتحي
نيويورك — مؤخرًا، سواء في نيويورك أو لندن أو باريس أو برلين أو حتى تل أبيب، تردد الهتاف ذاته مرارًا: “مصر تمنع دخول المساعدات إلى غزة.” يظهر على اللافتات، يتردّد في المظاهرات، وينتشر بلا توقف على وسائل التواصل الاجتماعي. وخارج السفارة المصرية في تل أبيب، قاد إسلاميون من عرب إسرائيل — في مشهد غير مألوف بجانب جماعات يهودية متطرفة — احتجاجات تردّد نفس الاتهام، في دليل على مدى انتشار هذه الرواية وكيف جرى هندستها بعناية.
لنجعل الأمور واضحة منذ البداية: المسألة ليست دفاعًا عن الحكومة المصرية. بل عن الحقيقة. أكتب بصفتي صحفيًا، مراسلًا للأمم المتحدة قضيت سنوات أتابع كل إحاطة، وكل نص، وكل كلمة على منبر الأمم المتحدة. والسجل واضح لا لبس فيه: الادعاء بأن مصر تمنع المساعدات لا يصمد أمام الوقائع. الرواية قد تكون صاخبة، لكنها زائفة. يتم تصوير المصريين كأنهم الجناة في أزمة كانوا في الواقع فيها ساحة التجهيز وشريان الحياة لقوافل المساعدات. هذا التشويه لا يلوث السياسة فقط، بل يهين كرامة أكثر من مئة مليون مصري، في الداخل وفي الشتات، عندما يُساء تمثيلهم على المسرح العالمي.
سجلات الأمم المتحدة تروي الحقيقة بوضوح:
في 20 أكتوبر 2023، وقف الأمين العام أنطونيو غوتيريش عند معبر رفح قائلاً: “مصر هي الركيزة الأساسية التي تسمح بوجود الأمل على هذا الجانب من الحدود. الأمل بأن تتحرك هذه الشاحنات لدعم الناس.” لم تُرَ مصر كعائق، بل كجسر للأمل.
في 2 يوليو 2024، قال مسؤول أممي رفيع في مجلس الأمن: “أكثر من 1200 شاحنة تنتظر على الجانب المصري من الحدود وسط إجراءات إدارية معقدة…” المساعدات كانت جاهزة على الأرض المصرية، والسائقون ينتظرون، لكن الموافقات لم تكن بيد القاهرة.
في 28 يوليو 2025، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك من نيويورك: “الأونروا تقول إن 6000 شاحنة في الأردن ومصر تنتظر الضوء الأخضر للدخول.” وهذا الضوء لم يأتِ من القاهرة، بل من تل أبيب.
إذن لماذا تستمر الرواية المعاكسة؟ لأنها تخدم من يروّجها. إنهم الإسلاميون بقيادة جماعة الإخوان المسلمين الذين قادوا هذه الحملة دوليًا. والسياق هنا جوهري: فحماس وُلدت من رحم جماعة الإخوان المسلمين.
تأسست حماس عام 1987 إبّان الانتفاضة الأولى على يد الشيخ أحمد ياسين وآخرين من الإخوان الفلسطينيين، كفرع مباشر للجماعة في غزة. ميثاقها الأول نصّ بوضوح على أنها جزء من المشروع الأوسع للإخوان، رابطًا نضال فلسطين بأيديولوجية الإسلام السياسي. وهكذا ميزت نفسها عن الفصائل الفلسطينية العلمانية مثل منظمة التحرير، وقدمت نفسها كمقاومة ضد إسرائيل وفي الوقت ذاته كذراع أيديولوجي للإخوان.
هذا الرابط يفسر الكثير. فهو يوضح لماذا تنسجم شبكات الإخوان العالمية — من جماعات الضغط في الولايات المتحدة إلى منظمات المجتمع في أوروبا، بل وحتى عبر تعبئة إسلاميي الداخل من عرب إسرائيل إلى جانب جماعات يهودية متطرفة في تل أبيب — مع خطاب حماس. من خلال إلقاء اللوم على مصر، يحمون حماس من النقد ويوجهون الغضب نحو القاهرة. بالنسبة للإخوان، تشويه مصر هو انتقام أيديولوجي واستراتيجية سياسية.
لقد غطيت بما يكفي من الأزمات الدولية لأعرف متى تطغى الدعاية على الحقيقة. وفي هذه الحالة، الدعاية كانت بلا هوادة. لكن سجل الأمم المتحدة لا يترك مجالًا للشك: مصر جهّزت المساعدات، نسقت عبر العريش والهلال الأحمر المصري، وكانت على استعداد. القوافل لم تتحرك لأن إسرائيل تملك الكلمة الأخيرة، لا لأن مصر أغلقت المعبر.
المسألة ليست دفاعًا عن نظام، بل دفاع عن الحقيقة، وعن كرامة أكثر من مئة مليون مصري، في الداخل وفي الشتات، ممن يتم الإساءة لصورته على المسرح الدولي. فالروايات إذا تُركت بلا مواجهة تشكّل الرأي العام، والرأي العام يصنع السياسة.
وأنا أشاهد مقاطع المحتجين أمام الأمم المتحدة في نيويورك، وأمام البعثة المصرية، وحتى أمام السفارة المصرية في تل أبيب، أذكّر نفسي: قد تكون الشعارات صاخبة، لكن الحقائق أعند. والحقائق تقول، بلا جدال: مصر كانت الجسر إلى غزة، وليست الحاجز.
أحمد فتحي هو مراسل الأمم المتحدة، ومحلل في الشؤون العالمية، ومؤلف كتاب أمريكا أولاً، العالم منقسم: تأثير ترامب 2.0. يكتب عن الدبلوماسية والتعددية والقوة والصورة والسياسات التي تشكل مستقبلنا العالمي.
تعليقات