رحلات الأمين العام للأمم المتحدة في 2025 تعكس عالماً يعيش حالة أزمات مترابطة على عدة جبهات.
- أحمد فتحي

- قبل يومين
- 3 دقيقة قراءة

في ظل صور الحرب والنزوح وتداعيات تغيّر المناخ، يعكس جدول تحركات الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2025 عالمًا يواجه أزمات مترابطة على عدة جبهات.

بقلم: أحمد فتحي
الأمم المتحدة | نيويورك: نادراً ما يتوقف عمل الأمم المتحدة، لكن عام 2025 بالكاد أتاح للأمين العام فرصة لالتقاط الأنفاس. فاستعراض السجل الرسمي لرحلات أنطونيو غوتيريش لا يبدو كدفتر زيارات بروتوكولية، بل كتوثيق متواصل لعالم يرزح تحت ضغط دائم. كل محطة تمثل بؤرة توتر، وكل وجهة تعكس أزمة قائمة. وعند النظر إلى الصورة الكاملة، يتضح أن التعددية لم تعد تتحرك بوتيرة مستقرة، بل باتت في حالة استجابة دائمة، تحاول التكيّف، وأحياناً مجرد مواكبة الانهيارات المتسارعة. الأمين العام
منذ الأيام الأولى من يناير وحتى الأسابيع الأخيرة من ديسمبر، تنقّل الأمين العام مراراً بين أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ. لم تكن هذه جولات مجاملة دبلوماسية، بل تحركات فرضتها الضرورة، في أماكن كان لغياب الصوت السياسي الأعلى للأمم المتحدة أن يترك فراغاً خطيراً.
أوروبا: العمود الفقري التشغيلي تحت الضغط
تتكرر سويسرا في جدول الرحلات، وليس ذلك مصادفة. فقد أصبحت جنيف العمود الفقري التشغيلي لمنظومة الأمم المتحدة في وقت تتسارع فيه الاحتياجات الإنسانية بوتيرة تفوق الموارد المتاحة.
أزمات اللاجئين، والتحقيقات الحقوقية، وتنسيق الاستجابات الطارئة باتت تتركز هناك. وتكرار الزيارات يعكس منظومة تعاني ضغوطاً مالية وسياسية متزايدة، إلى حد باتت فيه استمرارية العمل الأساسي تتطلب حضوراً دائماً على أعلى المستويات.
الشرق الأوسط: الاحتواء بدلاً من الاختراقات
تصدّر الشرق الأوسط مشهد تنقّلات الأمين العام. فقد شملت الرحلات مصر والعراق والسعودية وقطر وسلطنة عُمان ولبنان، في عام اتسم بحروب غير محسومة، ووقف إطلاق نار هش، وإعادة تشكيل للتوازنات الإقليمية.
في العراق، أشرف الأمين العام على إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة بعد أكثر من عشرين عاماً، في لحظة حملت دلالات رمزية وتساؤلات استراتيجية عميقة. فقد أثار الانسحاب أسئلة صعبة حول طبيعة الدور الدولي بعد تقليص الوجود الأممي، وكيفية الموازنة بين السيادة والاستقرار عقب انتهاء المهام السياسية وحفظ السلام.
أما في دول الخليج، فجاءت الزيارات أقل صخباً لكنها لم تكن أقل أهمية. فقد تركزت النقاشات على الوساطة وخفض التصعيد والتنسيق الإقليمي، وغالباً بعيداً عن الأضواء. وهي مقاربة تعكس حقيقة يعرفها الدبلوماسيون جيداً: أهم دبلوماسية أممية نادراً ما تُمارس أمام المنصات الإعلامية.
أفريقيا: من التنمية إلى الاستقرار
عكست تحركات الأمين العام في أفريقيا واقع قارة تواجه أزمات متداخلة لا منفصلة. محطات مثل إثيوبيا وأنغولا وجنوب أفريقيا ومصر جاءت في سياق صراعات، وضغوط مناخية، وأعباء ديون، وانتقالات سياسية حساسة.
هنا، تغيّرت لهجة الانخراط الأممي. لم تعد الأمم المتحدة تؤطر دورها أساساً ضمن أهداف تنموية بعيدة المدى، بل بات التركيز منصباً على الاستقرار السياسي، وضمان الوصول الإنساني، وتعزيز التعاون مع المؤسسات الإقليمية، وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي، مع تصاعد وزن المبادرات الأفريقية الذاتية.
آسيا والمحيط الهادئ: صراع القوى ومخاطر وجودية
قدّمت آسيا والمحيط الهادئ مشهداً مزدوجاً. ففي الصين واليابان، طغت اعتبارات التنافس بين القوى الكبرى، وعدم اليقين الاقتصادي، وتعثر الالتزامات المناخية.
أما في جنوب شرق آسيا ودول المحيط الهادئ — مثل ماليزيا وفيتنام وبابوا غينيا الجديدة — فقد برزت قضايا أقل حضوراً في العناوين لكنها أكثر حسماً للمستقبل. بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة، لم يعد تغير المناخ قضية نظرية، بل تهديداً وجودياً. ومن هذا المنطلق، لم يكن حضور الأمين العام رمزياً، بل رسالة بأن البقاء ذاته بات مسألة دبلوماسية.
أميركا اللاتينية: البرازيل في قلب الدبلوماسية المناخية
برزت مكانة أميركا اللاتينية في جدول جولات الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2025 بشكل أساسي بفضل البرازيل، حيث شكّلت قمة المناخ COP30 في مدينة بيليم محطة حاسمة في مسار الدبلوماسية المناخية العالمية. واستغلّ أنطونيو غوتيريش القمة لإطلاق تحذيرات صريحة بأن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية أصبح أمراً لا مفرّ منه، مع التشديد على الكلفة الإنسانية للتأخير. وتركّزت تحركاته على تسريع التنفيذ، وسد فجوات تمويل العمل المناخي، وحماية الغابات، وتعزيز المساءلة لدى الحكومات والمؤسسات المالية وكبار مسبّبي الانبعاثات.
منظمة تحت الضغط
ما يضفي ثقلاً إضافياً على هذا السجل هو الوضع الداخلي للأمم المتحدة نفسها. ففي عام 2025، واجهت المنظمة عجزاً مالياً حاداً نتيجة تأخر الدول الأعضاء في سداد مساهماتها. تم تقليص برامج، وتأجيل قرارات إدارية، وأصبحت حالة عدم اليقين جزءاً من المشهد اليومي.
في هذا السياق، تحولت رحلات الأمين العام إلى أداة دفاع مؤسسي، هدفها حشد الدعم السياسي والحفاظ على الحد الأدنى من تماسك النظام الدولي.
الخلاصة: الحضور كسياسة
من منظور صحفي، القصة هنا ليست عن عدد الرحلات أو كثافة الاجتماعات، بل عن الاحتواء. كثير من هذه التحركات لم يكن هدفها تحقيق اختراقات كبرى، بل منع الأسوأ.
النجاح، في هذا المناخ، يُقاس بما لم يحدث: حرب لم تتوسع، ممر إنساني لم يُغلق، قناة دبلوماسية لم تنهَر.
خريطة تحركات الأمين العام في 2025 تتطابق إلى حد بعيد مع خطوط التصدع العالمية. إنها سجل لتدخل دائم في نظام لم يعد قادراً على تصحيح مساره تلقائياً.
والخلاصة واضحة: التعددية اليوم لا تعيش إلا بالحضور والمثابرة والضغط. وحركة الأمين العام شبه الدائمة ليست خياراً، بل ضرورة في عالم يرفض أن يهدأ.
(تم إنشاء هذه الترجمة إلكترونيًا. يرجى الرجوع إلى النسخة الإنجليزية الأصلية للتأكد من الدقة.)
