top of page

تصاعد التوتر في الشرق الأوسط: لعبة الجغرافيا السياسية ذات المخاطر العالية


ree

بقلم: أحمد فتحي

نيويورك – شهد العالم في الأيام الأخيرة تصعيداً خطيراً في التوترات بمنطقة الشرق الأوسط، بعدما قامت حركة حماس، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وشاركت في اختطاف مدنيين وجنود إسرائيليين من المدن القريبة. هذا التحول المفاجئ والعنيف للأحداث أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي، نتيجة ما وُصف بأنه فشل استخباراتي كبير من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.لكن الرد الإسرائيلي جاء سريعاً، إذ شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات مكثفة على مواقع حماس في غزة، ما أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين، بنسبة تقريبية قُدّرت بعشرة فلسطينيين مقابل كل إسرائيلي. ومع ذلك، احتفى قادة حماس وأنصارهم بما وصفوه “نصراً إلهياً”، دون أدنى اعتبار لمعاناة المدنيين الفلسطينيين الذين دفعوا الثمن الأكبر.


السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي دفع حماس إلى هذا التصعيد بهذا الحجم؟من وجهة نظري، يبدو أن حماس أقدمت على هذا الهجوم براً وبحراً وجواً وهي تدرك تماماً أن هذه الأفعال ستُعتبر إعلان حرب على إسرائيل، دون حساب لعواقبها الكارثية.وفي السياق الإقليمي الأوسع، يبدو أن الهدف الأساسي كان إفشال مسار التطبيع والتعاون المتسارع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، تحت رعاية الولايات المتحدة. تلك المحادثات كانت قد قطعت شوطاً كبيراً، خصوصاً بعد أن قدمت واشنطن ضمانات أمنية شبيهة بتلك الممنوحة لليابان وكوريا الجنوبية، وأبدت استعدادها لدعم برنامج سعودي للطاقة النووية السلمية.هذه الخطوات مثّلت تهديداً مباشراً لإيران، إذ إن دخول السعودية تحت المظلة الأمنية الأمريكية كان يعني تراجع النفوذ الإيراني الإقليمي لصالح الرياض.


علاوة على ذلك، فإن شبكة المصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية التي تشكلت على مدى عقود تحت شعار “دعم القضية الفلسطينية” تواجه اليوم اهتزازاً خطيراً.هذه المنظومة تمتد من مؤسسات خيرية وبنوك وصناديق استثمار، إلى مراكز أبحاث وإعلام ومنصات ثقافية، وقد لعبت دوراً محورياً في حشد التمويل والدعم السياسي. ويُقدَّر حجم هذه الأنشطة بمئات المليارات من الدولارات، حتى بات البعض يصفها بأنها “إمبراطورية الأعمال باسم النضال الفلسطيني”.


على الصعيد الدبلوماسي، جاءت ردود الفعل الدولية متباينة:

  • الولايات المتحدة أعلنت دعمها الكامل لإسرائيل، مؤكدة تصنيفها لحماس كمنظمة إرهابية. وأكد الرئيس جو بايدن أن بلاده مستعدة لتزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه لضمان أمنها. لكن قدرة البيت الأبيض على التحرك السريع كانت محدودة في تلك اللحظة بسبب غياب رئيس لمجلس النواب، وهو ما قد يؤخر تمرير المساعدات العسكرية الطارئة.


  • مصر وقطر ظهرتا كقناتي التواصل الرئيسيتين مع حماس.فقطر، التي موّلت لسنوات أنشطة الحركة ومؤسسات إعلامية وأبحاثية مرتبطة بها، تملك اليوم نفوذاً واسعاً على قراراتها.أما مصر، التي تحتفظ بعلاقات أمنية مباشرة مع حماس عبر جهاز المخابرات العامة، فهي المنفذ الجغرافي الوحيد لغزة على العالم الخارجي. الدور الذي ستلعبه هاتان الدولتان في احتواء الأزمة سيظل محورياً في الأيام المقبلة.


  • الاتحاد الأوروبي أصدر بياناً مقتضباً أدان فيه هجمات حماس، وأكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.


  • أما الأمم المتحدة، فقد دان أمينها العام أنطونيو غوتيريش الهجوم بشكل واضح، داعياً إلى جهود دبلوماسية عاجلة لتجنب انفجار أوسع.كما أصدر رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة بياناً مشابهاً.وأعلن مجلس الأمن عن عقد جلسة مشاورات مغلقة في نيويورك، حيث أدلى السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة غيلعاد إردان بتصريحات صحفية محدودة، تلاه السفير الفلسطيني رياض منصور الذي قرأ بياناً ورفض الإجابة عن أسئلة الصحفيين.


تصريحات السفير جلعاد إردان، المندوب الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، على هامش المشاورات المغلقة لمجلس الأمن، حول الأوضاع في الشرق الأوسط وقضايا أخرى.







تصريحات السفير رياض منصور، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، على هامش المشاورات المغلقة لمجلس الأمن، حول الوضع في الشرق الأوسط وقضايا أخرى.




وفي ظل هذا المشهد المضطرب والمعقد، تبدو بوادر الأمل بعيدة المنال.فبينما يختبئ قادة حماس أو يغادر بعضهم قطاع غزة إلى دول مجاورة، أو حتى يحاولون الفرار عبر البحر الأبيض المتوسط، يبقى المدني الفلسطيني العادي هو الضحية الحقيقية لهذا الصراع.ومع الأسف، ستظل بعض الأصوات العربية تمجد ما تسميه “انتصاراً إلهياً”، فيما تتجه الأوضاع نحو جحيم جديد في الأيام القادمة.


وفي خضم هذا المشهد المتفجر، لا يسعنا إلا أن نأمل في حل سريع وسلمي يوقف نزيف الدم ويحمي الأبرياء، ويعيد شيئاً من الاستقرار إلى منطقة أنهكتها الحروب والانقسامات لعقود طويلة.




 
 
bottom of page