top of page

تحليل | أنطونيوغوتيريش: الأمم المتحدة تقترب من الإفلاس

  • صورة الكاتب: Ahmed Fathi
    Ahmed Fathi
  • قبل يوم واحد
  • 3 دقيقة قراءة
الأمين العام يخاطب اللجنة الخامسة بشأن مشروع الميزانية البرنامجية لعام 2026
الأمين العام يخاطب اللجنة الخامسة بشأن مشروع الميزانية البرنامجية لعام 2026
 أحمد فتحي

بقلم: أحمد فتحي –

مقر الأمم المتحدة، نيويورك: تواجه الأمم المتحدة أزمة مالية خانقة، وهذه المرة لا مجال للمجاملات الدبلوماسية. ففي خطاب حاد أمام اللجنة الخامسة (الإدارية والمالية)، حذر الأمين العام أنطونيو غوتيريش من أن المنظمة قد تواجه ما وصفه بـ "سباق نحو الإفلاس" إذا لم تسدد الدول الأعضاء مساهماتها في الوقت المحدد، وإذا لم توافق الجمعية العامة على تعليق القواعد المالية القديمة التي تستنزف ميزانية المنظمة.ميزانية عام 2026 المقترحة، التي تعد من الأكثر تقشفا في تاريخ المنظمة الحديث، تتضمن تخفيضات تبلغ 577 مليون دولار وحذف ما يقارب 2700 وظيفة في محاولة لتجنب العجز المالي الكامل.


الميزانية: أكثر نحافة، أصغر حجما، وأكثر هشاشة

تبلغ الميزانية المقترحة لعام 2026 نحو 3.715 مليار دولار، أي أقل قليلا من ميزانية عام 2025. وتشمل تمويل 37 بعثة سياسية خاصة و14,275 وظيفة، مع الحفاظ على التوازن بين الأعمدة الثلاثة لعمل الأمم المتحدة: السلام والأمن، التنمية، وحقوق الإنسان.

لكن حتى هذا المقترح المتواضع تبين أنه غير مستدام. إذ خفضت التقديرات المعدلة الرقم إلى 3.238 مليار دولار (انخفاض بنسبة 15%) وقلصت عدد الوظائف إلى 11,594 وظيفة (انخفاض بنسبة 18.8%). تستهدف هذه التخفيضات الإدارات الكبيرة، وتعمل على دمج الوظائف المتشابهة، ونقل بعض العمليات الإدارية إلى مواقع أقل كلفة مثل بانكوك.


ورغم ذلك، فإن البرامج الأساسية، خصوصا تلك الموجهة إلى الدول الأقل نموا والدول الحبيسة والدول الجزرية الصغيرة النامية، جرى تحصينها من التخفيضات. كما تحافظ الخطة على تمويل صندوق بناء السلام (50 مليون دولار) ونظام المنسقين المقيمين (53 مليون دولار)، مع توسيع الوجود الإقليمي لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في أديس أبابا، بانكوك، بيروت، داكار، بنما سيتي، بريتوريا، وفيينا.


انهيار السيولة: المتأخرات، الاعتمادات، والقواعد المالية المعيقة

كشف غوتيريش بوضوح حجم الكارثة بالأرقام. فقد بدأت الأمم المتحدة عام 2025 بعجز نقدي يبلغ 135 مليون دولار وبـ 760 مليون دولار من المساهمات غير المسددة، من غير المرجح تحصيل معظمها. وعلى الرغم من إجراءات التقشف التي قلصت نفقات العام بمقدار 600 مليون دولار، قد تنهي المنظمة عام 2025 بعجز يتجاوز 450 مليون دولار.


وتفاقم الأزمة قاعدة مالية غير منطقية: فالأمم المتحدة ملزمة برد أي أموال غير مستخدمة إلى الدول الأعضاء كاعتمادات ضد مساهماتها المستقبلية، حتى لو كانت الأموال لم تستخدم لأنها وصلت متأخرة. وبهذا، يتوجب على المنظمة إعادة 300 مليون دولار مع بداية عام 2026، أي ما يعادل 10% من ميزانيتها الجديدة قبل إنفاق أي دولار واحد.

قال غوتيريش محذرا:

"إذا استمر هذا الوضع، سننفق مجددا أقل من الموازنة في عام 2026 لأننا لم نجمع ما يكفي من الأموال. وهذا قد يؤدي إلى انهيار الوظائف الأساسية للمنظمة."

من دون إصلاح عاجل، قد تضطر الأمم المتحدة إلى رد 600 مليون دولار، أي نحو خمس ميزانية عام 2027، في الوقت الذي تقترب فيه فعلا من الإفلاس.


انقسام الدول الأعضاء: كفاءة أم تقويض؟

كشفت المناقشات التي تلت الخطاب الانقسامات الجيوسياسية المعتادة:

  • مجموعة الـ77 والصين حذرت من أن "تحقيق الكفاءة" لا يجب أن يأتي على حساب البرامج التي تخدم الدول النامية أو تقلص تمثيلها في وظائف الأمم المتحدة.

  • الصين والمجموعة الإفريقية طالبتا بحماية ركيزة التنمية وضمان عدم تعميق الفجوات الجغرافية في التوظيف.

  • الاتحاد الأوروبي، أكبر مساهم جماعي في ميزانية المنظمة، دعم الانضباط المالي لكنه رفض حلول السيولة التي تحمل الملتزمين بدفع مستحقاتهم عبئا إضافيا.

  • رابطة آسيان، عبر سنغافورة، نددت بـ "الامتناع المتعمد عن السداد من قبل بعض الدول الأعضاء"، في إشارة واضحة إلى واشنطن.

  • أما كوبا فكانت أكثر صراحة: "لا يمكن أن نؤخذ رهائن لإرادة الولايات المتحدة"، قال مندوبها.

  • روسيا دعت إلى تطبيق أكثر صرامة لإجراءات منع الازدواجية وتقديم كشف كامل بالوظائف المتأثرة بالتخفيضات.

  • السعودية طالبت بتوزيع أكثر عدلا للوظائف في محكمة العدل الدولية وباستمرار الدعم للأونروا.

  • إسرائيل حثت اللجنة على تجنب تسييس النقاشات المالية.

ورغم تبادل الاتهامات، ظلت حقيقة واحدة قائمة: من دون مسؤولية جماعية، لن تكون هناك ملاءة جماعية.


الأصوات الاستشارية: إصلاح دون تدمير

وصفت اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية (ACABQ) التقديرات المعدلة بأنها "استجابة واقعية للتحديات المالية المتغيرة"، ودعت إلى مراقبة أدق للمناصب العليا وحجم الأعمال الكتابية. كما أكدت لجنة البرنامج والتنسيق على ثمانية أولويات استراتيجية للفترة 2026–2028، تشمل السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان ونزع السلاح، لضمان بقاء رسالة الأمم المتحدة الجوهرية رغم تقلص ميزانيتها.


الأزمة الأعمق: إرادة سياسية أم مجرد أزمة تمويل؟

وراء الأرقام والجداول، تكمن أزمة التزام حقيقية. فالدول الأعضاء تواصل توسيع تفويضات الأمم المتحدة عبر معاهدات وقرارات جديدة، بينما تقصر في تمويلها. أصبحت المنظمة تدير أزمات عالمية بموارد محدودة، مقيدة بقواعد مالية تعاقب الكفاءة وتكافئ التأخير.

يسعى مشروع "مبادرة الأمم المتحدة 80" (UN80) إلى تحديث الأمانة العامة عبر التحول الرقمي وتحليل البيانات وعلوم السلوك، لكن التحديث وحده لا يمكنه معالجة أزمة السيولة المتجذرة في التردد السياسي.

وحذر الأمين العام قائلا:

"ما لم يتم تقليص المتأخرات وتعليق نظام إعادة الاعتمادات، فإن إجراءات التقشف القاسية ستكون حتمية العام المقبل."

بكلمات أوضح: قد تضطر الأمم المتحدة قريبا إلى الاختيار بين دفع رواتب موظفيها أو تنفيذ ولاياتها الأساسية.


الخاتمة: اختبار لبقاء التعددية

بعد ثمانين عاما على تأسيسها، تواجه الأمم المتحدة ليس فقط عجزا في الميزانية بل اختبارا لشرعيتها. لم يعد السؤال ما إذا كانت قادرة على الإصلاح، بل ما إذا كانت الدول الأعضاء ستسمح لها بالبقاء.وإن استمر الشلل السياسي، فقد تكتشف المنظمة التي تجسد فكرة التعاون الدولي أن ثمن التقاعس هو الإفلاس، ماليا وأخلاقيا على حد سواء.

bottom of page