الولايات المتحدة تستهدف مواطني 19 دولة فيما تشدد أوروبا قواعد اللجوء؛ والأمم المتحدة تحذّر من تداعيات عالمية
- أحمد فتحي

- قبل ساعتين
- 3 دقيقة قراءة


بقلم أحمد فتحي
الأمم المتحدة – نيويورك:فرضت الولايات المتحدة رقابة مشددة تلقائية على طلبات اللجوء والإقامة الدائمة والمزايا الهجرية الأخرى لمواطني 19 دولة، وذلك عقب حادث إطلاق النار على اثنين من عناصر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة، توفيت إحداهما لاحقًا متأثرة بجراحها.
المتهم في الحادث، وهو أفغاني يبلغ من العمر 29 عامًا، وصل إلى الولايات المتحدة عام 2021، وحصل على اللجوء في أبريل 2025. ويقيم في ولاية واشنطن، ويؤكد المسؤولون أنه يرفض التعاون مع المحققين. وقد فجّر الحادث عاصفة سياسية فورية دفعت الإدارة الأمريكية إلى إطلاق أوسع مراجعة لسياسات الهجرة منذ سنوات.
واشنطن تصرّ على أن الإجراءات الجديدة ضرورية لحماية الأمن القومي. لكن في الأمم المتحدة يرى الدبلوماسيون أن ما يجري يعكس تحولًا أعمق قد يهدد ركائز قانون اللجوء وحقوق الإنسان التي تأسست عبر عقود.
تشمل القائمة مواطني: أفغانستان، بورما، بوروندي، تشاد، كوبا، الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، لاوس، ليبيا، سيراليون، الصومال، السودان، توغو، تركمانستان، فنزويلا، واليمن— وهي دول تعاني أصلًا من الحروب أو القمع أو الانهيار الاقتصادي.
ما الذي تعنيه الرقابة الجديدة؟
الأشخاص القادمون من هذه الدول الـ19 سيواجهون مقابلات أطول، وتدقيقًا أمنيًا موسعًا، ومعايير أصعب للموافقة على طلباتهم. وقد طُلب من موظفي الهجرة التعامل مع الجنسية باعتبارها “عاملًا سلبيًا محتملاً”، وهي عبارة إدارية قد تبدو تقنية لكنها تعني عمليًا مزيدًا من الانتظار واللايقين.
والسياسة ذات أثر رجعي أيضًا، إذ يمكن إعادة فتح ملفات حصل أصحابها بالفعل على اللجوء أو البطاقة الخضراء. عائلات اعتقدت أنها استقرت أخيرًا قد تجد نفسها من جديد في دائرة الاستجواب. وقال أحد مسؤولي الأمم المتحدة : "لا يمكن للإنسان أن يبني حياته بينما تتغير القواعد تحت قدميه باستمرار."
التوافق مع قوانين اللجوء وحقوق الإنسان
ما تزال الولايات المتحدة ملتزمة باتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين وبروتوكول 1967، واللذين يفرضان تقييم كل طلب بشكل فردي ويمنعان التمييز على أساس الجنسية. أي افتراضات جماعية تُعد انتهاكًا لهذه المبادئ.
وتحذّر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من “الاستنتاجات الأمنية المبنية على الانتماء الجماعي”. فإعادة فتح الملفات لمجرد الجنسية قد يشكل خرقًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يمنع الدول من إعادة الأشخاص إلى أماكن الخطر.
وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يجب أن يكون أي تمييز قائم على الأصل الوطني ضروريًا وضمن حدود صارمة، وهو معيار يصعب تحقيقه عبر قائمة تشمل 19 دولة مختلفة جذريًا في أوضاعها.
أوروبا تسير في الاتجاه ذاته
الولايات المتحدة ليست وحدها. ففي مختلف أنحاء أوروبا، تعيد الحكومات صياغة سياسات اللجوء والهجرة بطريقة تميل نحو المنطق الأمني ذاته.
في المملكة المتحدة، أعادت التعديلات الجديدة رسم طريق الحصول على الجنسية بشكل جذري، إذ قد ينتظر اللاجئون حتى 20 عامًا قبل التقدم للإقامة الدائمة—بدلًا من خمس سنوات سابقًا. أصبحت الحماية “مؤقتة” و“مشروطة” وموضع مراجعة مستمرة.
كما وقّعت لندن اتفاقًا واسعًا مع فرنسا لوقف قوارب الهجرة عبر القنال الإنجليزي. وبموجب الاتفاق، تُعاد الوافدون غير النظاميين إلى فرنسا، مقابل استقبال المملكة المتحدة العدد نفسه من طالبي اللجوء المقبولين عبر المسارات القانونية. ويقول المنتقدون إن هذه الآلية قد تتجاوز الضمانات الأساسية لحماية اللاجئين والإجراءات القانونية العادلة.
وعبر القارة الأوروبية، تتكرر الصورة ذاتها:
الدانمارك تدفع نحو معالجة اللجوء خارج حدودها وتشديد المعايير.
ألمانيا توسّع صلاحيات الترحيل.
النمسا تواصل الضغط لفرض قيود أوروبية أوسع.
إيطاليا تشدد قواعد الإنقاذ البحري وتسرّع عمليات الإعادة.
ويرى مسؤولو الأمم المتحدة أن هذه الإجراءات ليست معزولة، بل تمثل انحرافًا جماعيًا نحو أنظمة ردع لا أنظمة حماية.
الميثاق العالمي للهجرة مقابل الواقع السياسي
يشجع الميثاق العالمي للهجرة الدول على تفادي الوصم، وضمان العدالة، والحفاظ على النزاهة الإجرائية. لكن الإجراءات الجديدة في الولايات المتحدة وأوروبا تمضي في الاتجاه المعاكس تمامًا، في وقت تجاوز فيه عدد المهجّرين قسرًا 120 مليون شخص— وهو أعلى رقم مسجل على الإطلاق.
دفاع واشنطن مقابل مخاوف الأمم المتحدة
تقول الإدارة الأمريكية إن الإجراءات جاءت ردًا مباشرًا على حادث واشنطن، وإنها مبنية على تقييمات أمنية دقيقة. ويؤكد مسؤول: "هدفنا منع التهديدات، وليس معاقبة الجنسيات."
لكن داخل الأمم المتحدة تسود الشكوك. وقال أحد السفراء: "حين تتحول الجنسية إلى رمز للخطر، لن نعود نتحدث عن حماية اللاجئين، بل عن تصفية بشرية مُقنّعة."
منعطف حاسم في نظام الحماية الدولي
تشير التوجيهات الأمريكية والتشدد الأوروبي إلى تحول عميق في الطريقة التي تفهم بها الديمقراطيات الكبرى التزاماتها الإنسانية.
السؤال الآن: هل يستطيع نظام اللجوء الدولي—المبني على مبادئ عالمية—الصمود في عالم يتجه سريعًا نحو سياسات تقوم على الشك قبل الحماية؟
ما سيحدث لاحقًا لن يحدد مصير الجنسيات الـ19 فقط، بل سيحدد مستقبل قواعد الحماية الدولية برمتها—إما أن تبقى قائمة، أو تتآكل تدريجيًا تحت ضغط الحسابات السياسية.
